ملتقى الأمة الواحدة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى إسلامي علمي ثقافي يسعى لوحدة المسلمين تحت راية التوحيد والنهوض بالأمة ورفعتها والتمكين لها في الأرض


2 مشترك

    تعريف الطاغوت

    سعيد القمري
    سعيد القمري


    المساهمات : 16
    تاريخ التسجيل : 22/01/2011

    تعريف الطاغوت Empty تعريف الطاغوت

    مُساهمة  سعيد القمري الخميس فبراير 03, 2011 1:21 pm

    منقول من كتاب (فض الخصام في طواغي الحكام ) للشيخ الفاضل أبي اليمان الربعي

    تعريف الطاغوت:
    الطاغوت لغة: إختلف أهلها في أصله:
    -فقيل هو أعجمي معرب، مثل "هاروت"، "وماروت".
    -وقيل هو عربي. واختلف هؤلاء في اشتقاقه، كما قال الشوكاني: الطاغوت: فعلوت، من طغى يطغي ويطغو، إذا جاوز الحد. قال سيبويه: هو اسم مذكَّر مفرد، أي اسم جنس، يشمل القليل والكثير. وقال أبو على الفارسي: إنه مصدر: كرهبوت، وجبروت، يوصف به الواحد، والجمع. وقلبت لامه إلى موضع العين، وعينه إلى موضع اللام: كجبذ، وجذب، ثم تقلب الواو ألفًا؛ لتحركها، وتحرك ما قبلها، فقيل: طاغوت. واختار هذا القول النحاس. وقيل: أصل الطاغوت في اللغة: مأخوذ من الطغيان، يؤدي معناه من غير اشتقاق، كما قيل: لآلئ، من اللؤلؤ1.
    أما تعريفه في الشرع: فهو كل ما صرف العبد وصده عن عبادة اللَّه، وإخلاص الدين والطاعة للَّه2 ، وكان نداً له في شيء من خصائصه.
    وقال عبد القادر بن عبد العزيز في تفصيل حسن: إن أجمع قول في معنى الطاغوت: هو قول من قال: إنَّ الطاغوت هو كل ما يُعبد من دون اللَّه -وهذا قول الإمام مالك- وقول من قال: إن الطاغوت هو الشيطان -وهو قول جمهور الصحابة والتابعين- وماعدا هذين القولين ففروع منهما. وهذان القولان يرجعان إلى أصل واحد له ظاهر وحقيقة، فمن نظر إلى الظاهر قال الطاغوت: كل ما يُعبد من دون اللَّه، ومن نظر إلى الحقيقة قال الطاغوت: الشيطان، وذلك لأنَّ الشيطان هو الداعي إلى عبادة ما يُعبد من دون اللَّه كما أنَّه الداعي إلى كل كُفرٍ، قال تعالى: )أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا( [مريم: 83]، فكل من كَفَر، وكل من عَبَد غير اللَّه، فبتزيين الشيطان، وكل من عَبَد غير اللَّه فهو إنما يعبد الشيطان على الحقيقة، كما قال تعالى: )أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لاَ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ( [يس: 60]، وقال تعالى عن إبراهيم ؛: )يَا أَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ( [مريم: 44]، مع أن أباه كان يعبد الأصنام، كما قال تعالى: )وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً( [الأنعام: 74]. فالشيطان هو الطاغوت الأكبر، فكل من عَبَد صنمًا من حجرٍ، أو شجرٍ، أو بشرٍ، فهو إنما يعبد الشيطان، وكل من تحاكم إلى بشرٍ، أو قانون، أو دستور من دون اللَّه، فهو إنما يتحاكم إلى الشيطان، وهذا هو معنى تحاكمه إلى الطاغوت.
    فمن أَجملَ بحسب الظاهر قال: الطاغوت كل ما يُعبد من دون اللَّه، ومن أجمل بحسب الحقيقة قال: الطاغوت الشيطان، كما نقلته آنفًا.
    ومن فصَّل بحسب الظاهر قال: كل معبود، أو متبوع، أو مُطاع، أو مُتَحاكَم إليه من دون اللَّه، وهو قول ابن القيم، وقريب منه قول سليمان بن سحمان 3.
    وكل هذا يرجع إلى معنى العبادة، فالإتباع، والطاعة، والتحاكم، كلها عبادات ينبغي ألاَّ تصرف إلاَّ للَّه تعالى، كما قال تعالى: )اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ( [الأعراف: 3]، فهذا في الاتباع، وقال تعالى: )قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهََ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ( [آل عمران: 32]. وهذا في الطاعة، وقال تعالى: )وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا( [الكهف: 26]، وهذا في التحاكم. فإفراد اللَّه تعالى بالاتباع والطاعة والتحاكم كل هذا داخل في إفراده بالعبادة -الذي هو توحيد الأُلوهية- تمامًا كإفراده بالصلاة، والدعاء، والنّسك، فهذه كلها عبادات، وقد قال تعالى: )وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إلَهَ إلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ( [الأنبياء: 25]، فالعبادة اسم جامع لكل ما يحبه اللَّه ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
    فالقول الجامع في معنى الطاغوت بحسب الظاهر: أنَّه كل ما يُعبد من دون اللَّه، وأمَّا على التفصيل فقد ورد في الكتاب والسنة النص على نوعين من الطواغيت: طاغوت العبادة، وطاغوت الحكم.
    أ- فطاغوت العبادة: ورد في قوله تعالى: )وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا( [الزمر: 17]، وهو كل ما عُبِدَ من دون اللَّه من شيطان، أو إنسان، حي أو ميت، أو حيوان، أو جماد من شجر، أو حجر، أو كوكب من الكواكب، سواء عبد بتقديم القرابين، له أو بدعائه، أو بالصلاة له من دون اللَّه، أو بطاعته وأتباعه فيما يخالف شرع اللَّه.
    ويُقيَّد: "ما عُبد من دون اللَّه" بلفظ: "وهو راضٍ بذلك"؛ ليخرج منه مثل عيسى بن مريم ، أو غيره من الأنبياء، والملائكة، والصالحين؛ فهؤلاء عُبدوا من دون اللَّه وهم لا يرضون، بذلك فلا يُسمى أحدٌُ منهم طاغوتًا. قال ابن تيمية /: $وقال تعالى: )وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ( [سبأ: 40،41] يعني أن الملائكة لم تأمرهم بذلك، وإنما أمرتهم بذلك الجن؛ ليكونوا عابدين للشياطين التي تتمثل لهم4 .
    ب- وطاغوت الحكم: ورد في قوله تعالى: )يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ( [النساء: 60]، وهو كل ما تُحوكِمَ إليه من دون اللَّه: من دستور وضعي، أو قانون وضعي، أو حاكم بغير ما أنزل اللَّه، سواء كان سلطانًا، أو قاضيًا، أو غيرهما5 .
    والطاغوت من البشر الذي أُمرنا بالكفر به مقابل الالتزام بالتوحيد كافر بلا تردد، فكيف إذا كان من رؤوسهم:
    رؤوس الطواغيت
    قال محمد بن عبد الوهاب -معددًا رؤوس النوعين السابقين-: $الطواغيت كثيرة، ورؤوسهم خمسة:
    الأول: الشيطان الداعي إلى عبادة غير اللَّه، والدليل قوله تعالى: )أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لاَ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ( [يس: 60].
    الثاني: الحاكم الجائر، المغيِّر لأحكام اللَّه تعالى، والدليل قوله تعالى: )أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا( [النساء: 60].
    الثالث: الذي يحكم بغير ما أنزل اللَّه 6، والدليل قوله تعالى: )وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ( [المائدة: 44].
    الرابع: الذي يدَّعي علم الغيب من دون اللَّه، والدليل قوله تعالى: )عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا $ إلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا( [الجن: 26،27]، وقال تعالى: )وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ( [الأنعام: 50].
    الخامس: الذي يُعبد من دون اللَّه، وهو راض بالعبادة، والدليل قوله تعالى: )وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ( [الأنبياء: 29]7 اهـ.
    أقوال أهل العلم في طاغوتية الحاكم بغير شرع اللَّه
    ومن أقوال أهل العلم أيضًا في التنصيص على طاغوتية الصنف الذي نحن بصدده:
    قول ابن تيمية: من تحوكم إليه من حاكم بغير كتاب اللَّه: طاغوت8 .
    وقال ابن القيم: الطاغوت: كل ما تجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع، أو مطاع. فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير اللَّه ورسوله، أو يعبدونه من دون اللَّه، أو يتَّبعونه على غير بصيرة من اللَّه، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة للَّه9 .
    قال ابن عثيمين: فالمتبوع مثل الكهان والسحرة وعلماء السوء، والمعبود مثل الأصنام، والمطاع مثل الأُمراء الخارجين عن طاعة اللَّه10 .
    وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: )يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ( [النساء: 60]، بعد أن ساق أقوالاً في معنى الطاغوت: والآية أعم من ذلك كله؛ فإنها ذامَّة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل، وهو المراد بالطاغوت هنا11.
    وقال عبد اللَّه بن عبد الرحمن أبا بطين: ويشمل أيضًا كل من نصَّبه الناس للحكم بينهم بأحكام الجاهلية المضادة لحكم اللَّه ورسوله12 .
    وقال ابن سحمان: الطاغوت ثلاثة أنواع: طاغوت حكم، وطاغوت عبادة، وطاغوت طاعة ومتابعة13 .
    وقال عبد اللَّه القرعاوي: من حكم بغير ما أنزل اللَّه فهو طاغوت، ويدخل في ذلك جميع القوانين الوضعية14.
    وقال السعدي: $كل من حكم بغير شرع اللَّه فهو طاغوت15 .
    وقال الشنقيطي: وكل تحاكم إلى غير شرع اللَّه فهو تحاكم إلى الطاغوت16.
    وقالت لجنة الفتوى السعودية: والمراد بالطاغوت في الآية: كل ما عدل عن كتاب اللَّه تعالى وسنَّة نبيه ج إلى التحاكم إليه من: نظم وقوانين وضعية، أو تقاليد وعادات متوارثة، أو رؤساء قبائل ليفصل بينهم بذلك، أو بما يراه زعيم الجماعة، أو الكاهن. ومن ذلك يتبين: أن النظم التي وضعت ليتحاكم إليها مضاهاة لتشريع اللَّه داخلة في معنى الطاغوت17 .

    الهوامش

    1- "فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير" (1/ 275)، وينظر معاجم اللغة في مادة: "ط غ و".
    2- محمد حامد الفقي في تعليقه على "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" لعبد الرحمن بن حسن (ص: 269).
    3- سيأتي نصه وقول غيرهما قريبًا.
    4- "مجموع الفتاوى" (4/ 135 ، 136).
    5 "الجامع في طلب العلم الشريف".
    6 قال أبو عمر بن عبد الرحمن في كتابه: "ميراث الأنبياء" (ص: 24): $مقصود الشيخ [يعني محمدًا]: القاضي الذي يحكم بشريعة ذلك المغير لأحكام اللَّه. قلت: يعني الذي يتخذها مرجعًا للتشريع، يلتزم حكمه، وما أظن الشيخ يكفِّر في وقائع الأعيان، واللَّه أعلم.
    7- "رسالة في معنى الطاغوت ورؤوس أنواعه"، أُنظر: (1/ 377 مؤلفات).
    8- (فتاوى: 28/ 201).
    9- "إعلام الموقعين" (1/ 50).
    10- (9/ 17 فتاوى).
    11- "تفسير القرآن العظيم" (2/ 346).
    12- "مجموعة التوحيد" (2/ 173).
    13- "الدرر السنية" (14/ 503).
    14- "الجديد في شرح كتاب التوحيد" (ص: 340).
    15- "تفسير السعدي" (1/ 184).
    16- "أضواء البيان" (4/ 420).
    17- "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/ 784، فتوى رقم 8008).
    avatar
    ابو طلحة


    المساهمات : 7
    تاريخ التسجيل : 26/01/2011

    تعريف الطاغوت Empty بحث آخر في معنى الطاغوت

    مُساهمة  ابو طلحة الأربعاء فبراير 16, 2011 2:00 am

    السلام عليكم ورحمة الله وجدت ما نقل عن الشيخ ابي اليمان الربعي في معنى الطاغوت وهو تعريف جيد وقد كنت كتبت بحث مختصر في معنى الطاغوت أحببت أن اضيفه إلى هذا الموضوع لعلها يكون موضوع موسوعي عن البحوث المفيدة في معنى الطاغوت لما للموضوع من أهمية قد حصل فيه كثير من الغلط من بعض الجماعات والمذاهب
    الجزء الأول في معنى الطاغوت
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين وبعد فهذا بحث مختصر في معنى الطاغوت واجتنابه والكفر به.
    القسم الاول منه في معنى الطاغوت :
    اختلف أهل العربية هل الطاغوت اسم جنس أم أنه مصدر، فذهب ابو علي الفارسي أنه مصدر كرهبوت وجبروت، يوصف به الواحد والجمع، وذهب سيبويه أنه اسم مفرد –مراده اسم جنس يقع للكثير والقليل .
    وعلى أنه مصدر فوزن أصله : طَغَيُوت ، أو طَغَوُوت لقولهم : طُغْيان في معناه وقد رجح ابن عاشور أن وزنه على التحقيق طغيوت فقال : " ووزن طاغوت على التحقيق طَغَيُوت فَعَلُوت من أوزان المصادر مثل مَلَكوت ورَهَبوت وَرَحَمُوت فوقع فيه قلب مكاني بين عينه ولامه فصيرُ إلى فَلَعوت طيَغوت ليتأتى قلب اللام ألفاً فصار طَاغوت" .
    وقد أفاد الزمخشري أن هذا القلب يفيد الاختصاص قال : والقلب هو للاختصاص ، إذ لا تطلق على غير الشيطان- أي كلمة الطاغوت- .
    وعلى ماذكره أئمة اللغة فإن طاغوت من صيغ المبالغة كرحموت مراد به واسع الرحمة فعلى هذا طاغوت واسع الطغيان.
    وقد ورد عن عكرمة أن: الجبت بلسان الحبشة ساحر والطاغوت الكاهن . لذلك ذكر لفظ الطاغوت في المعرب من ألفاظ القرآن، والمراد بالالفاظ المعربة ما كان أصله عجمي فحولته العرب إلى ألفاظها وقد ذكره من الألفاظ المعربة ابن حجر نظماً فيما زاده على السبكي في نظم الألفاظ غير المعربة فقال :
    وهيت والسكر الأواه مع حصب *** وأوبي معه والطاغوت مسطور.


    الطاغوت والطغيان
    قدمنا بعض ما ذكره أئمة اللغة من أن طاغوت من أوزان المصادر، مشتق من الطغيان وهو من صيغ المبالغة كرحموت والمراد واسع الطغيان إلا أن هذا المصطلح –طاغوت- من مصطلحات القرآن الخاصة على ما رجحه ابن عاشور قال: " ولا أحسبه ألاّ من مصطلحات القرآن ".
    وهو كذلك: قد أزيل عنه معنى المصدر وصار اسماً وعلماً لطائفة معينة هي من عبد من دون الله عز وجل وهو راض -كما سيأتي- فيها معنى المصدر وهو توسعت في الطغيان أو السبب في الطغيان، مثل مَلَكوت أصبح اسما فيه معنى المصدر. ذلك ان ملكوت مصدر معناه الملك العظيم أو الواسع، إلا أنه صار اسماً وعلماً: لملك الله عز وجل العظيم فهذا هو معنى ماذكره ابن عاشور حين تكلم عن معنى الطاغوت فقال: " ثم أزيل عنه معنى المصدر وصار اسماً لطائفة مما فيه هذا المصدر فصار مثل مَلَكوت في أنه اسم طائفة مما فيه معنى المصدر لا مثل رَحَموت ورهبوت في أنّهما مصدران فتاؤه زائدة ، وجعل علماً على الكفر وعلى الأصنام " .
    وخلاصة ماسبق أن الطاغوت –بإعتبار أنها كلمة عربية الاصل- وزنها من أوزان المصادر مشتقة من الطغيان إلا أنها اصبحت علماً على طائفة معينة طغت على أوامر الله، وهي: من عبد من دون الله بقيد الرضا، أو كانت سبباً في الطغيان من الأصنام والأوثان. وسيأتي تفصيل ذلك في استعمالات "طاغوت" في الكتاب والسنة. وهي أيضاً من التسميات الشرعية وإن كان لها اشتقاق من اللغة لا ينبغي أن يتجاوز بها إلى غير ما أطلقت عليه الشريعة كألفاظ الكافر والمنافق .
    فلا صحة لم ذكره بعض المعاصرين: من أن كلمة طاغوت لا تدل على كفر من اطلقت عليه بل تدل على مطلق الطغيان استناداً على اصل اشتقاقها لغة فقط .
    وعلى ماذكرناه سابقاً تجد معان ماذكره العلماء في معنى الطاغوت متآلفة متفقة إلا أن بعضهم عرف الطاغوت بالمثال وسبب نزول القرآن كقولهم: الطاغوت كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب ، وآخرون ذكروه بحده على جهة الحقيقة.
    ومن ذلك ما ذكره ابن جرير الطبري :
    " والصواب من القول عندي في"الطاغوت"، أنه كل ذي طغيان على الله، فعبد من دونه، إما بقهر منه لمن عبده، وإما بطاعة ممن عبده له، وإنسانا كان ذلك المعبود، أو شيطانا، أو وثنا، أو صنما، أو كائنا ما كان من شيء. "
    وقال أيضاً:"والصواب من القول في تأويل:"يؤمنون بالجبت والطاغوت"، أن يقال: يصدِّقون بمعبودَين من دون الله، يعبدونهما من دون الله، ويتخذونهما إلهين.
    وذلك أن"الجبت" و"الطاغوت": اسمان لكل معظَّم بعبادةٍ من دون الله، أو طاعة، أو خضوع له، كائنًا ما كان ذلك المعظَّم، من حجر أو إنسان أو شيطان. وإذ كان ذلك كذلك، وكانت الأصنام التي كانت الجاهلية تعبدها، كانت معظمة بالعبادة من دون الله فقد كانت جُبوتًا وطواغيت. وكذلك الشياطين التي كانت الكفار تطيعها في معصية الله، وكذلك الساحر والكاهن اللذان كان مقبولاً منهما ما قالا في أهل الشرك بالله. وكذلك حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف، لأنهما كانا مطاعين في أهل ملّتهما من اليهود في معصية الله والكفر به وبرسوله، فكانا جبتين وطاغوتين".
    وكذلك ماذكره ابن قيم الجوزية:" والطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله " وقال في مدارج السالكين:" والطاغوت اسم لكل ما عبدوه من دون الله فكل مشرك إلهه طاغوته " .
    استعمالات كلمة "طاغوت" في القرآن والسنة:
    ورد ذكر كلمة "طاغوت" في القرآن في ثمان آيات:
    1- لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى.
    2- الله وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ.
    3- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ.
    4- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ.
    5- الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ.
    6- قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ.
    7- وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ.
    8- وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ.
    وإذا تأملت الآيات وجدت أن من الأشياء التي ذكرها الله عز وجل عن الطاغوت: أنه يكفر به المؤمنون، وأنه ولي الكافرين وتفسير هذه الولاية بجملة: يخرجونهم من النور إلى الظلمات "وأعيد الضمير إلى الطاغوت بصيغة جمع العقلاء لأنّه أسند إليهم ما هو من فِعل العقلاء – وإن كانوا في الحقيقة سبب الخروج لا مُخرجين" وهذا اذا حملنا معنى الطاغوت على الأصنام من الجمادات، وقد يكون منهم حقيقة اذا كانوا عقلاء على ماذكره الألوسي اذا كانوا من طواغيت البشر . وكذلك من الاشياء التي ذكرها الله عز وجل عن الطاغوت: أنه كما يكفر به المؤمنون يؤمن به الكافرون، وأنه يتحاكم إليه من يزعم الإيمان كذباً وأن هذا التخاصم من جنس الإيمان الذي يفعله الكفار للطواغيت وهذا كما قال ابن جرير الطبري في تفسيره : يريدون أن يتحاكموا في خصومتهم إلى الطاغوت يعني إلى: من يعظمونه، ويصدرون عن قوله، ويرضون بحكمه من دون حكم الله " .وأن الطاغوت كذلك يقاتل في سبيله، ويعبد من دون الله كما في قوله تعالى وعبد الطاغوت وفي قراءة لابن مسعود :وعبدوا الطاغوت وكما ورد في السنة كما سيأتي "من كان يعبد شيئاً فليتبع ومنهم من يتبع الطواغيت"
    وفي السنة ورد ذكر كلمة "طاغوت" في مواضع:
    1- في البخاري :عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن الناس قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال: هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله قال: فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا. قال: فإنكم ترونه كذلك يحشر الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبع فمنهم من يتبع الشمس ومنهم من يتبع القمر ومنهم من يتبع الطواغيت " .
    2- وفي النسائي : عن عَبْد الرَّحْمَن بْن سَمُرَة مَرْفُوعًا " لَا تَحْلِفُوا بِالطَّوَاغِيتِ وَلَا بِآبَائِكُمْ " وفي رواية مسلم لا تحلفوا بالطواغي.
    3- وفي سنن ابي داود :عن عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجعل مسجد الطائف حيث كان طواغيتهم.
    4- و في ابن حبان في حديث جرير " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : يَا جَرِير إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ طَوَاغِيت الْجَاهِلِيَّة إِلَّا بَيْت ذِي الْخَلَصَة " .
    فقد دلت الايات والأحاديث أن الطاغوت يعبده الكفار من دون الله عز وجل وأن هذه العبادة إيمان به وأن هذه العبادة على أصناف منها التخاصم إليه والقتال في سبيله وطاعته في غير طاعة الله عز وجل .وقد دلت الأحاديث أنه يطلق على الجمادات المعبودة من دون الله عز وجل طواغيت أيضاً كما في حديث جرير: "إنه لم يبق من طواغيت الجاهلية إلا بيت ذي الخلصة".
    وإنما أطلق عليها لفظ الطواغيت كما أطلق على الاصنام لفظ الطواغي والطاغية لأنها سبب في الطغيان وهو ما حكاه ابن حجر في شرحه لـ" طاغية دوس "قال : أَي صنمهم, سمِّيَ باسم المصدر لطغيان الكفار بعبادته لكونه السَّبب في طُغْيانهم" .
    استعمالات السلف لكلمة "طاغوت"
    لا تخرج استعمالات السلف عن معنى ماذكرناه من استعمالات القران والسنة للكلمة إلا أن بعض السلف قد عرفها بالمثال احيانا وذلك حسب السياق الذي وردت فيه ومن ذلك.
    1- قول عمر رضي الله عنه كما في البخاري معلقاً : الجبت السحر والطاغوت الشيطان.
    قال ابن حجر في الفتح: وصله عبد بن حميد واسناده قوي وروى الطبري عن مجاهد مثل قول عمر وزاد الطاغوت الشيطان له صورة إنسان يتحاكمون إليه.
    2- قول جابر كما في البخاري تعليقا: كانت الطواغيت التي يتحاكمون إليها في جهينة واحد وفي أسلم واحد وفي كل حي واحد كهان ينزل عليهم الشيطان.
    3- قول سعيد بن المسيب كما في البخاري : البحيرة التي يمنع درها للطواغيت.
    4- وبوب البخاري: باب قتل كعب بن الاشرف طاغوت اليهود.
    وللبحث بقية تأتي بإذن الله
    الهوامش:
    -راجع البحر المحيط لابن حبان
    2-راجع تفسير اللباب لابن عادل
    3-تفسير ابن عاشور التحرير والتنوير
    4-الكشاف للزمخشري : تفسير سورة الزمر
    5-اخرجه البخاري معلقا في كتاب تفسير القران وقال ابن حجر في الفتح : وصله عبد بن حميد باسناد صحيح عنه.
    6-راجع الاتقان في علوم القران للسيوطي في النوع الثامن والثلاثون :فيما وقع فيه بغير لغة العرب.
    7-المصدر :مايدل على الحدث من حيث تعلقه بفاعله ولكن على وجه العموم والإبهام غير مقيد بزمن كقيام وجلوس.
    8- تفسير ابن عاشور
    9-اعلام الموقعين
    10-مدارج السالكين
    11-التحرير والتنوير لابن عاشور
    12-الالوسي
    13- تفسير الطبري :
    14اخرجه البخاري في كتاب الاذان والرقاق .
    15 فتح الباري


      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مايو 09, 2024 3:19 am