ملتقى الأمة الواحدة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى إسلامي علمي ثقافي يسعى لوحدة المسلمين تحت راية التوحيد والنهوض بالأمة ورفعتها والتمكين لها في الأرض


2 مشترك

    بدع القراء

    سعيد القمري
    سعيد القمري


    المساهمات : 16
    تاريخ التسجيل : 22/01/2011

    بدع القراء Empty بدع القراء

    مُساهمة  سعيد القمري الإثنين يناير 24, 2011 3:49 am


    بِدَعُ القُرّاء
    القَديمَة وَ المعَاصرة

    تأْليف الشيخ
    بكر بن عَبد الله أبو زيد








    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, ورضي الله عن صحابته أجمعين, ورحم الله عبداً اهتدى بهديه إلى يوم الدين .
    أما بعد: فمن عظيم آثار حفظ الله لكتابه شدُّ السلف على مسلك تجريده من أي إحداث أو أمر مضاف, في: رسمه, وترتيله, وقراءته, وإقرائه وأدائه, وأذكاره, وهذا عنوان إعجازه يدخل في قرنه الخامس عشر, دون أن يصل إليه: تغيير وتبديل, أو تحريف وتعديل, زيادة أو نقصاً, فسبحان من أنزله, وحفظه, وهيأ له حفّاظاً, وأنصاراً, وجعل المسلمين له حرساً, وأجناداً, وكان من آثار رحمته سبحانه في حفظ كتابه, تنبيه العلماء, وبخاصة القراء منهم, على محدثات جَهَلَةِ القُرَّاءِ, واتصال حبل الإِيقاظ عما يداخله في زمان أو مكان, أو كيفية, ومقدار, أو جنس, وأسباب في محيط قاعدة الإسلام, المعروفة منه بالاضطرار, وهي: ((وقف العبادات على النص ومورده لا غير)). وعليه: فهذه النبذة امتداد لحبلهم الموصول في تجريد كتاب الله عن محدثات الأمور, قيَّدتُ فيها ((رؤوس المسائل لبدع جهلة القراء)) التي نبه عليها المتقدمون, وعنيت بالبحث ما اتسع انتشاره وهو ((التمايل عند القراءة)), وما أحدثه المعاصرون وهو في قالبين: تعبد القراء في تقليد قارئ آخر في قراءة القرآن داخل الصلاة أو خارجها, لجِدَّةِ حُدوثه وشدة الولوع به. وقراءة الإِمام - على صفة الالتزام - في صلاة الجمعة, لما يراه متناسبا مع موضوع الخطبة. ومن المعلوم أن نشوء البدع إنما يكون من الإِفراط والغلو في الدين, وضعف البصيرة والفقه فيه. ومن أسباب فشوها وانتشارها: السكوت عنها, وترك التحذير منها, وهذا من فترات القصور والتقصير لدى بعض أهل السنة. ومن الغبن الفاحش أن يكون ((صاحب القرآن)) متلبساً ببدعة, فكيف إذا كانت من المحدثات في قراءة القرآن العظيم .
    لهذا: صار التنبيه, فانتظمت هذه ((النبذة)) التنبيه على ((محدثات القراء)) في القديم والحديث, داخِلَ الصَّلاةِ أو خَارِجها معقودة في أربعة أبحاث:
    الأول: رؤوس المسائل لبدع القراء التي نبه عليها العلماء .
    الثاني: حكم تعبد القارئ بتقليد صوت قارئ آخر .
    الثالث: التمايل من القارئ والسامع .
    الرابع: العدول عن المشروع في قراءة صلاة الجمعة إلى ما يراه الإِمام مناسباً مع موضوع الخطبة .
    فإِلى بيانها على هذا الترتيب, مؤسساً على أصول السنة التي تُرَدَّ بها كل محدثة وبدعة, وِمِنْ أَجَلَّها: وَقْفُ العبادة على النص, في دائرة جهاته الست وهي: السبب, والجنس, والمقدار, والكيفية, والزمان, والمكان .
    وإيماء إلى أن أي حَدَثٍ في التَّعَبُّدِ ففيه:
    هجر للمشروع .
    واستدراك على الشرع .
    واستحباب لما لم يشرع .
    وإيهام للعامة بمشروعيته .
    فيؤول الدين المنزل إلى شرع محرف مبدل .
    أحيانا الله على الإسلام والسنة, حتى نلقاه على ذلك .
    ونُقل عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: ((كل عبادة لم يتعبد بها أصحاب رسول الله  فلا تعبدوها, فإن الأول لم يدع للآخر مقالاً, فاتقوا الله معشر القراء, وخذوا بطريق من كان قبلكم( ) والله المستعان .

    * * *



    المبحث الأول
    في بدع القراء التي نبه عليها العلماء( )

    اعلم أن ((تفريع بدعيتها)) هو بتنزيلها على ((أصول السنة لدرء البدعة)), وقد تقدم الإِيماء إلى أصلها في مقدمة هذه ((النبذة)) فمن هذه البدع التي نبه عليها العلماء:
    1-2- التنطع بالقراءة والوسوسة في مخارج الحروف, بمعنى التعسف, والإِسراف خروجاً عن القراءة بسهولة, واستقامة, كما قال تعالى: ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ﴾ وقوله سبحانه: ﴿وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً﴾. وعن إعطاء الحروف حقها من الصفات والأحكام, إلى تجويد متكلف. وفي الحديث: ((من أراد أن يقرأ القرآن رطباً . . . )) الحديث. أي: ليناً لا شدة في صوت قارئه.( )
    3- الخروج بالقراءة عن لحن العرب إلى لُحُون العجم. قال ابن قتيبة في ((مشكل القرآن))Sad ) (وقد كان الناس يقرأون القرآن بلغاتهم ثم خلف من بعدهم قوم من أهل الأمصار, وأبناء العجم ليس لهم طبع اللغة . . فَهَفوا في كثير من الحروف وَذَلُّوا فأَخَلُّوا) انتهى . قال ابن القيم رحمه الله تعالىSad ) (ومن ذلك - أي مكايد الشيطان - الوسوسة في مخارج الحروف والتنطع فيها ثم قال: ومن تأمل هَدْيَ رسول الله  وإقراره أهل كل لسان على قراءتهم يتبين له أن التنطع, والتشدق, والوسوسة, في إخراج الحروف ليس من سنته) . انتهى.
    4- النهي عن القراءة بلحون أهل الفسق, والفجور. ولابن الكيال الدمشقي م سنة 929هـ - رسالة باسم: ((الأنجم الزواهر, في تحريم القراءة بلحون أهل الفسق والكبائر)) .
    5- قراءة الأنغام, والتمطيط. وربما داخلها ركض وركل - أي ضرب بالقدمين - ولهذا سميت ((قراءة الترقيص)) . وكنت أظنها مما انقرض, لكني شاهدتها لدى بعض الطرقية, في ساحة مسجد الحسين بمصر عام 1391هـ, وهم غاية من الاستغراق, والاغترار بمشاهدة الناس لهم, فلما ناصحت أحدهم وجدته في غاية الجهل, والانصراف عن النصح .
    6- التلحين في القراءة, تلحين الغناء والشَّعر. وهو مسقط للعدالة, ومن أسباب رد الشهادة, قَضَاءً. وكان أول حدوث هذه البدعة في القرن الرابع على أيدي الموالي . ومن أغلظ البدع في هذا, تلكم الدعوة الإِلحادية إلى قراءة القرآن, على إيقاعات الأغاني, مصحوبة بالآلات والمزامير.( ) قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 40, 42] .
    7- قراءة التطريب بترديد الأصوات, وكثرة الترجيعات. وقد بحث ابن القيم رحمه الله تعالى هذه المسألة بحثاً مستفيضاً, وبعد أن ذكر أدلة الفريقين المانعين والمجيزين, قال رحمه الله تعالىSad ) (وفصل النزاع, أن يقال: التطريبُ والتغنَّي على وجهين, أحدهما: ما اقتضته الطبيعة, وسمحت به من غير تكلُّف ولا تمرين ولا تعليم, بل إذا خُلّي وطبعه, واسترسلت طبيعتُه, جاءت بذلك التطريب والتلحين, فذلك جائز. وإن أعان طبيعتَه بفضلِ تزيين وتحسين, كما قال أبو موسى الأشعري للنبي  : ((لو علمتُ أنَّك تَسْمَعُ لحَبَّرتهُ لكَ تَحبِيراً)). والحزين ومن هاجه الطربُ, والحبُّ والشوقُ لا يملك من نفسه دفعَ التَحزين والتطريب في القراءة, ولكن النفوسَ تقبلُه وتستحليه لموافقته الطبع, وعدم التكلف والتصنع فيه, فهو مطبوع لا متطبَّع, وكَلفٌ لا متكلَّف, فهذا هو الذي يتأثر به التالي والسامعُ, وعلى هذا الوجه تُحمل أدلة أرباب هذا القول كلها .
    الوجه الثاني: ما كان مِن ذلك صناعةً من الصنائع, وليس في الطبع السماحةُ به, بل لا يحصُل إلا بتكلُّف وتصنُّع وتمرُّن, كما يتعلم أصوات الغِناء بأنواع الألحان البسيطة, والمركبة على إيقاعات مخصوصة, وأوزانٍ مخترعة, لا تحصل إلا بالتعلُّم والتكلف, فهذه هي التي كرهها السلفُ, وعابوها, وذمُّوها, ومنعوا القراءَة بها, وأنكروا على من قرأ بها. وأدلة أرباب هذا القول إنما تتناول هذا الوجه, وبهذا التفصيل يزول الاشتباهُ, ويتبين الصوابُ من غيره وكلُّ من له علم بأحوال السلف, يعلم قطعاً أنهم بُرآء من القراءة بألحان الموسيقى المتكلفة, التي هي إيقاعات وحركات موزونة معدودة محدودة, وأنهم أتقى لله من أن يقرأوا بها, ويُسوِّغوها, ويعلم قطعاً أنهم كانوا يقرؤون بالتحزين والتطريب, ويحسِّنون أصواتهم بالقرآن, ويقرأونه بِشجَىً تارة, وبِطَربٍ تارة, وبِشوق تارة, وهذا أمر مركوز في الطباع تقاضيه, ولم ينه عنه الشارع مع شدة تقاضي الطباع له, بل أرشد إليه وندب إليه, وأخبر عن استماع الله لمن قرأ به, وقال: ((لَيسَ مِنَّا مَن لَمْ يَتَغنَّ بِالقرآنِ)) وفيه وجهان: أحدهما: أنه إخبار بالواقع الذي كلُّنا نفعله, والثاني: أنه نفي لهدي من لم يفعله عن هديـه وطريقته ). انتهى .
    وتأمل قوله: ((من غير تكليف ولا تمرين ولا تعليم)) فإنه فقه عظيم له دلالاته, فرحم الله ابن القيم ما أدق نظره وفقهه .
    8- هَذُّه كَهَذِّ الشِّعر .
    أما هَذُّه ((حَدْراً)) بمعنى إدراج القراءة مع مراعاة أحكامها وسرعتها بما يوافق طبعه, ويخف عليه, فلا تدخل تحت النهي, بل هذه من أنواع القراءة المشروعة .
    9- قراءة الهذرمة .
    10- ومما يُنهى عنه ((التَّقلِيس))( ) بالقراءة, وهو رفع الصوت ومنه في وصف الإِمام الشافعي رحمه الله تعالى لأبي يوسف قوله: ((كان أبو يوسف: قلاساً)) أي يرفع صوته بالقراءة وهذا جر إلى إحداث وضع اليدين على الأذنين عند القراءة .
    11- القراءة بالإِدارة, وهي تناوب المجتمعين في قراءة آية, أو سورة, أو سور إلى أن يتكاملوا بالقراءة ولا تعني هذه المشروع في مدارسة القرآن. والإِدارة بدعة قديمة, أنكرها الأئمة: مالك وغيره, وصدر بإنكارها فتاوى, وألفت رسائل( )
    12- قراءة القرآن في منارة المسجد .
    قال ابن الجوزي: ((وقد لبس إبليس على قوم من القراء فهم يقرأون القرآن في منارة المسجد بالليل بالأصوات المجتمعة المرتفعة الجزء والجزأين فيجمعون بين أذى الناس في منعهم من النوم وبين التعرض للرياء. ومنهم من يقرأ في مسجده وقت الأذان لأنه حين اجتماع الناس في المسجد.( )
    13- قراءة القرآن الكريم, والقارئ يشرب الدخان أو في مجلس يشرب فيه. وقد اشتد نكير العلماء, على الفعلة لذلك وأفردت فيه رسائل لبعض علماء مصر
    14- القراءة والإِقراء بشواذ القراءات
    قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى : ((ذكر تلبيسه على القراء, فمن ذلك أن أحدهم يشتغل بالقراءات الشاذة وتحصيلها فيفني أكثر عمره في جمعها, وتصنيفها والإِقراء بها ويشغله ذلك عن معرفة الفرائض والواجبات, فربما رأيت إمام مسجد يتصدى للإِقراء ولا يعرف ما يفسد الصلاة, وربما حمله حب التصدر حتى لا يرى بعين الجهل, على أن يجلس بين يدي العلماء ويأخذ عنهم العلم, ولو تفكروا لعلموا أن المراد حفظ القرآن وتقويم ألفاظه ثم فهمه ثم العمل به ثم الإِقبال على ما يصلح النفس ويطهر أخلاقها ثم التشاغل بالمهم من علوم الشرع. ومن الغبن الفاحش تضييع الزمان فيما غيره الأهم, قال الحسن البصري: أُنزل القرآن ليعمل به. فاتخذ الناس تلاوته عملاً. يعني أنهم اقتصروا على التلاوة وتركوا العمل به)) .
    15- الجمع بين قراءتين فأكثر, في آية واحدة, في الصلاة, أو خارجها في مجامع الناس, أو نحو ذلك من أحوال المباهاة. وليس من ذلك بيانها في دروس التفسير, وإظهار وجوه القراءات من المعلمين للمتعلمين .
    16-25- ومن البدع: التخصيص بلا دليل, بقراءة آية, أو سورة في صلاة فريضة, أو في غيرها من الصلوات .
    أ- قراءة سورة ((الأنعام)) في الركعة الأخيرة, ليلة السابع من شهر رمضان, معتقداً استحبابها.( )
    ب- قراءة سورة ((المدثر)) أو ((المزمل)) أو ((الانشراح)) ليلة مولد النبي  في العشاء أو الفجر .
    ج- قراءة سورة فيها ذكر موسى عليه السلام في صلاة الفجر, صبح يوم عاشوراء. وهذه تتبعتها فوَجَدتُها من محدثات عصرنا, ولم أر لها ذكراً عند المتقدمين .
    د- قراءة سورتي الإِخلاص في صلاة المغرب ليلة الجمعة .
    هـ- قراءة المعوذتين في صلاة المغرب ليلة السبت. وهكذا من قصد التخصيص بلا دليل .
    و- آيات الحرس: جمع آيات تخص بالقراءة في آخر التراويح, ويسمونها آيات الحرس. وهذه بدعة لا أصل لها.( )
    ز- سرد جميع آيات الدعاء في آخر ركعة من التراويح ليلة الختم, بعد قراءة سورة الناس.( )
    ح- الجمع بين القراءات في الصلاة بدعة, كالجمع بينها في حال التلاوة خارج الصلاة.( )
    ك- قراءة سورة فيها سجدة صبح الجمعة, غير سورة ((الم. تنزيل السجدة)) وإنما السُّنَّةُ قراءة هذه السورة في: الركعة الأولى, وقراءة (سورة الإِنسان) في: الثانية .
    ل- جمع تهليل القرآن, وقراءته كما تقرأ السور.( )
    26-33- ومن البدع: التخصيص بلا دليل, بقراءة آية, أو سورة في زمان, أو مكان, أو لحاجة من الحاجات, وهكذا قصد التخصيص بلا دليل .
    ومنها:
    أ- قراءة ((الفاتحة)) بنية قضاء الحوائج, وتفريج الكربات .
    ب- قراءة سورة ((الكهف)) يوم الجمعة على المصلين قبل الخطبة بصوت مرتفع.
    ج- قراءة ((سورة يس)) أربعين مرة بنية قضاء الحاجات .
    د- قراءة ((سورة الكهف)) بعد عصر يوم الجمعة في المسجد.( ) أي بهذين القيدين .
    هـ- قراءة سورة يس, عند غسل الميت.( )
    و- قراءة الأولاد أو غيرهم ليلة المولد عُشْراً من القرآن.( )
    ز- ومنها: قراءة القرآن أمام الجنائز, وعلى القبر.( )
    ح- التزام قراءة القرآن في الطواف.( )
    34-38- ومن البدع: التزام القارئ, أو السامع, لأدعية وأذكار - لم يرد بها نص - عند قراءة آية أو سورة. ومنها:
    أ- قول عند بعضهم بعد قراءة القرآن: الفاتحة .
    ب- قولهم عند قراءة الفاتحة: صلوا عليه وسلموا تسليماً .
    ج- قول القارئ: الفاتحة زيادة في شرف النبي  .
    قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى( ): (هذا دعاء مخترع من أهل العصر) اهـ
    د- قول السامع للقارئ ((الله, الله)) ونحو ذلك من الألفاظ الشريفة, التي يوظفها السامع للقارئ قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف:204] .
    هـ- وأما التزام قول ((صدق الله العظيم)) بعد قراءة القرآن العظيم, فقد قال الله تعالى: ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ [آل عمران:95]. وقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾ [النساء:87]. وقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً ﴾ [النساء:122] . ومع هذا فليس في هذا الذكر شيء يؤثر, وما ذكره بعض المعاصرين من أن في ((الجامع لشعب الإِيمان)) للبيهقي [5 / 31, 45 , 49] ما يدل على ذلك فهو وهم لا ولم نر من ذكره مشروعاً من العلماء المعتبرين, ولا الأئمة المشهورين. وبهذا فالتزام هذا الذكر (صدق الله العظيم) بعد قراءة القرآن التزام مخترع لا دليل عليه, فهو محدث, وكل محدث في التعبيرات فهو بدعة, والله أعلم .
    42-48- ومنها بدع الختم وهي:
    الإِتيان بسجدات القرآن بعد الختم .
    التهليل عنها أربع عشرة مرة .
    الاحتفال بليلة الختم .
    الخطبة بعدها, أو قبلها .
    التواعد للختم .
    الصَّعَق .
    وقد أتيت على ذكرها مع آداب الختم, في الجزء الخامس من ((الأجزاء الحديثية)) (مرويات ختم القرآن). يضاف إليها: بدعة الإِيقاد ليلة الختم.( ) وللحافظ الذهبي رحمه الله تعالى كلام جامع, يخاطب فيه من له شعور وإحساس, أسوقه بنصه , لينتفع به من شاء من عباده( ): (فالقرَّاء المُجَوِّدة: فيهم تنطع وتحرير زائد يؤدِّي إلى أن المجود القارئ يبقى مصروف الهمة إلى مراعاة الحروف والتنطع في تجويدها بحيث يشغله ذلك عن تدبر معاني كتاب الله تعالى, ويصرفه عن الخشوع في التلاوة, ويخليه قوي النفس مزدرياً بحفاظ كتاب الله تعالى, فينظر إليهم بعين المقت وبأن المسلمين يلحنون, وبأن القراء لا يحفظون إلا شواذ القراءة, فليت شعري أنت ماذا عرفت وماذا عملت؟! فأما عملك فغير صالح, وأما تلاوتك فثقيلة عرية من الخشعة والحزن والخوف, فالله تعالى يوفقك ويبصرك رشدك ويوقظك من مرقدة الجهل والرياء . وضدهم قراء النغم والتمطيط, وهؤلاء من قرأ منهم بقلب وخوف قد ينتفع به في الجملة, فقد رأيت منهم من يقرأ صحيحاً ويطرب ويبكي, ورأيت منهم من إذا قرأ قسَّى القلوب, وأبرم النفوس, وبدّل الكلام, وأسوأهم حالاً الجنائزية.
    وأما القراءة بالروايات وبالجمع فأبعد شيء عن الخشوع, وأقدم شيء على التلاوة بما يخرج من القصد, وشعارهم في تكثير وجوه حمزة وتغليظ تلك اللامات وترقيق الراءات . اقرأ يا رجل وأعفنا من التغليظ والترقيق وفرط الإِمالة والمدود ووقوف حمزة, فإلى كم هذا؟! وآخر منهم إن حضر في ختم, أو تلا في محراب, جعل ديدنه إحضار غرائب الوجوه والسكت والتهوع بالتسهيل, وأتى بكل خلاف, ونادى على نفسه: ((أنا فلان, اعرفوني فإني عارف بالسبع)). إيش نعمل بك؟ لا صبحك الله بخير, إنك حجر منجنيق, ورصاص على الأفئدة). انتهى . والذهبي رحمه الله تعالى من علماء القرآن, فهو كلام خبير بالقوم, فاشدد يدك عليه .
    49- ومن البدع المنكرة قراءة القرآن العظيم للسؤال به. ومنه إعلانه عن طريق التسجيل على أفواه السكك وأبواب الدكاكين.( )
    50- وضع اليدين على الأذنين أو إحداهما على إحدى الأذنين, عند القراءة .
    51-57- وهناك أمور سبعة تتعلق بالختم وهيSad )
    أ- إكمال الختم, ويقال: ((تتمته)) ومعناه: أن يقرأ المأموم ما فات الإِمام من الآيات, وأن يعيد الإِمام بعد الختم ما فاته من الآيات .
    ب- استحباب ختمه في مساء الشتاء, وصباح الصيف .
    ج- وصل ختمة بأخرى بقراءة الفاتحة, أو خمس آيات من سورة البقرة .
    د- تكرار سورة الإِخلاص ثلاثاً .
    هـ- التكبير في آخر سورة الضحى إلى آخر سورة الناس داخل الصلاة أو خارجها .
    و- صيام يوم الختم .
    ز- دعاء الختم داخل الصلاة .
    فهذه الأمور السبعة, لا يصح فيها شيء عن النبي  ولا عن صحابته, رضي الله عنهم, وعامة ما يُروى في بعضها مما لا تقوم به الحجة فالصحيح عدم شرعية شيء منها .


    * * *

    المبحث الثاني
    في تقليد صوت القارئ

    لا ينكر تلاقي الأصوات حتى لو لم يلق أحد المتشابهين الآخر أو لم يسمعه, ولا ينكر أن التلميذ لشدة محبته لشيخه قد يتأثر به في الأداء بلا تكلف وإن كان هذا إنما يكون في ضِعَافِ التلاميذ. فانحصر البحث في القارئ يتكلف تقليد صوت قارئ آخر فأقول: الناظر في طبقات القراء, وغيرهم من العلماء, يرى في حلية بعضهم أنه كان حسن الصوت في قراءة القرآن الكريم. ومنهم: عاصم بن أبي النُّجود, كان إذا قرأ كأنما في حلقه جَلاَجِل. وأعلى من ذلك في حلية الصحابة رضي الله عنهم فهذا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قال له النبي  لما سمع قراءته: ((لقد أُعطيت مزماراً من مزامير آل داود)) متفق عليه .
    واستمع النبي  إلى قراءة سالم مولى أبي حذيفة وكان حسن الصوت. فقال: ((الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا)) رواه ابن ماجة بسند جَيِّد قاله ابن كثير في ((فضائل القرآن)).( )
    وأعلى من ذلك وأَجلُّ, قراءة نبينا ورسولنا محمد  فقد كانت قراءته مفسرة, حرفا حرفاً, وكانت مَدَّاً, وكان  يُرَجِّعُ أحياناً, وكان  حسن الوجه, حسن الصوت, بل من سمات أنبياء الله ورسله: حُسن الصوت لكمال خَلْقِهم, وتمام خشيتهم لربهم. ومنها: أن أمير المؤمنين أبا بكر رضي الله عنه وصفته ابنته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما اختاره النبي  لإِمامة الناس في الصلاة قالت: ((إن أبا بكر رجل أسِيْف متى يقم مقامك رَقَّ)) أي: يتمالكه الخشوع فيجهش بالبكاء, رضي الله عنه وأرضاه. ومع هذا فإن الناظر في أخبار التحلي بهذه النعمة, التي أنعم الله بها على من شاء من عباده ((حُسْن الصوت بالقراءة)) لا يرى حرفاً واحداً في تسنن الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم بمحاكاة حَسَن الصوت في صوته بالقرآن, ولو كان ذلك واقعاً لنُقل, ولو كان لصار أَوْلَى من يُحاكى في صوته, هو أفضل من قرأ القرآن, نبينا ورسولنا محمد  . ولتواطأ على ذلك قراء الأمة, من الصحابة فمن بعدهم, وتوارثوه كافة عن كافة. وهذا العبد القانت الصحابي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما, مع شدة تتبعه, وقوفه الأثر, وآثار رسول الله  لا يحاكيه في قراءته, أو في شيء من أموره الجبلِّية  وهؤلاء القراء من الصحابة رضي الله عنهم وهم كُثر لا نرى عنهم حرفاً واحداً في ذلك. وعن معاوية بن قرة, عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنهم قال: ((قرأ النبي  يوم فتح مكة, سورة الفتح, فَرَجَّع فيها)). قال معاوية: لو شئت أن أحكي لكم قراءة النبي  لفعلت. أخرجه البخاري في ((التفسير)) من ((صحيحه)) برقم / 4835, وفي مواضع أخر منه, في ((المغازي برقم / 4281)) وفي ((فضائل القرآن برقم / 5047)) وفي ((التوحيد برقم / 7540)) الحديث أخرجه جماعة منهم: مسلم, وأبو داود, والحاكم في ((الإِكليل)), وابن الجعد, وأبو عبيدة في ((فضائل القرآن)) والترمذي في ((الشمائل)) والإِسماعيلي في ((مستخرجه)).( ) وفي رواية الترمذي: ((وقال معاوية بن قرة: لولا أن يجتمع الناس علي لأخذت لكم في ذلك الصوت, أو قال: ((اللَّحن)) انتهى. و((اللحن)) هو: الترجيع. ويدل على أن المراد الترجيع, وروده مصرحاً به في رواية البخاري في ((المغازي)) من صحيحه بلفظ: (لولا أن يجتمع الناس حولي لرجَّعت كما يرجَّع) فالمحاكاة في ((خصوص الترجيع)), فهذا يعني ((الأداء)), وفرق بين حكاية الصوت فهذا لم يقع, وبين حكاية ((الأداء والقراءة)) وهذا أمر مطلوب بأن يقرأ العبد القرآن مؤدياً له على وفق قواعد القراءة, وضوابطها الشرعية, ومن غير إخلال بغلو أو تفريط ولهذا قال النبي  : ((من أراد أن يقرأ القرآن رطباً)) الحديث. ويدل أيضا على أن المراد ((خصوص الترجيع)) أن النبي  نزلت عليه هذه الآيات, وهو على راحلته في ((غزوة الفتح)) وكان ترجيعه  آآآ, ثلاث مرات .
    قال الحافظ ابن حجر: قال القرطبي: ((يحتمل أن يكون حكاية صوته عند هز الراحلة كما يعتري رافع صوته إذا كان ركباً, من انضغاط صوته, وتقطيعه لأجل هز المركوب, وبالله التوفيق)). انتهى. أي: فهذه واقعة عين لا عموم لها .
    على أن معاوية بن قرة رضي الله عنه أراد أن يفعل لكنه لم يفعل, خشية أن يجتمع عليه الناس للاستماع.( ) وهذا واضح الدلالة على أن محاكاة الصحابة للنبي  في صوته غير معهودة بين الصحابة رضي الله عنهم إذ لو كانت معهودة لما خشي ذلك, وهو رضي الله عنه لم يفعل, فبقي الأمر على عدم التقليد, وأنه لم يكن من هدي الصحابة رضي الله عنهم. وفيمن بعدهم تتبعت كتب السير, والتراجم, ما أمكن فلم أر تقليد الصوت لدى القراء, عملاً موروثاً, يستعذب القارئ صوت قارئ آخر, فيقلده وهو واقف بين يدي ربه في المحراب ليحرك النفوس بصوت غيره, ويتلذذ السامعون بحسن أدائه فيه .
    12- وغاية ما وقفت عليه ما في فتاوى العز بن عبد السلام. م سنة 660هـ رحمه الله تعالى ونصه ص / 120:
    (مسألة: إمام بمسجد يقرأ قراءة حسنة, فسمعه إنسان فقرأ مثله محاكيا له, ولم يقصد بذلك سوى أن فلاناً يقرأ هكذا فهل هذه غيبة أم لا) الجواب: ليس ذلك بغيبة له, والله أعلم. انتهى. إذا كان الحال كذلك: فاعلم أنه في عصرنا بدت ظاهرة عجيبة, لدى بعض القراء إذ اخذوا في التقليد والمحاكاة على سبيل الإعجاب والتلذذ, وتلقنه الطلاب وهو في دَوِْر التلقي, ثم سرت هذه العادة فَتَكَوَّن منها هذه الظاهرة ((ظاهرة المحاكاة والتقليد في الصوت)) كل بحسب من أعجبه صوته, فعمروا المحاريب بالتقليد, وهم وقوف بين يدي الله تعالى, يؤمون المصلين, ليحرك الإمام نفوس المأمومين بصوت غيره, ويتلذذ السامعون بِحُسن أدائه فيه, بل وصل الحال إلى أن الإمام في التراويح, قد يقلد صوتين, أو ثلاثة, وهكذا, وقد سمعت في هذا عجباً. وصدق أبو الطيب المتنبي :
    وَأَسْرعُ مَفْعُولٍ فَعَلْتَ تَغَيُّراً ** تكلف شيء في طِبَاعِكَ ضِده
    وحيث إن هذا أمر إضافي في عبادة, والعبادات سبيلها الوقوف على النص ومورده, بل هنا في أفضل الكلام ((القرآن الكريم)), وفي أفضل العبادات العملية ((الصلاة)) والمسلم مطالب بأن لا يعبد الله إلا بما شرع, فالسؤال الوارد إذاً:
    ما حكم التعبد بتقليد صوت القارئ, هل هو مطلوب شرعاً أو غير مطلوب؟ وإذا كان مطلوباً فما دليله؟ وما منزلته من قسمي الطلب: الوجوب والندب؟ وإن لم يكن مطلوباً فما حكمه؟ وما موقعه من قسمي النهي: التحريم والكراهية؟ ومعلوم أن الإِباحة, وهي القسم الخامس من أقسام التكليف, لا دخل لها في أمور التعبد .
    والجواب على هذا يتحقق بأمور:
    الأول: الصوت: نعمة أنعم الله بها على عبادة, و((حُسن الصوت خِلقة)) نعمة أخرى, يتفضل الله بها على من يشاء من عباده, مثل: نعمة الجمال, ونعمة القوة, ونعم: الجاه, والمال, والسلطان, وهكذا .
    ويقتضي شكر البعد لأي من هذه النعم, استعمالها فيما هو طاعة لله, ولرسوله  كاستعمال نعمة الصوت في: قراءة القرآن .
    والمراد من تحسين الصوت بالقرآن: تطريبه, وتحزينه, والتخشع به, حَوَالَة على الوازع الباعث الجاري على وفق الفطرة, ولهذا كان أحسن القراءات ما كان عن خشوع من القلب. قال طاووس: (أحسن الناس صوتاً بالقرآن: أخشاهم لله) رواه أبو عبيد . قال ابن كثير في ((فضائل القرآن ص / 125, 126)): وهو في معنى حديث مرفوع نحوه ( ). (والغرض أن المطلوب شرعاً إنما هو التحسين بالصوت الباعث على تدبُّر القرآن وتفهمه والخشوع والخضوع والانقياد للطاعة .
    فأما الأصوات بالنغمات المحدثة المركبة على الأوزان والأوضاع الملهية والقانون الموسيقائي فالقرآن ينزه عن هذا ويجل ويعظم أن يسلك في أدائه هذا المذهب. وقد جاءت السنة بالزجر عن ذلك كما قال الإِمام العلم أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله: حدثنا نعيم بن حماد عن بقية بن الوليد عن حصين بن مالك الفزاري, قال: سمعت شيخاً يكنى أبا محمد يحدث عن حذيفة بن اليمان, قال: قال رسول الله  ((اقرأوا القرآن بلحون العرب وأصواتها, وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابين, وسيجيء قوم من بعدي يرجِّعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح, لا يجاوز حناجرهم, مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم)). وحدثنا يزيد عن شريك عن أبي اليقظان عثمان بن عمير عن زاذان أبي عمر عن عليم قال: كنا على سطح ومعنا رجل من أصحاب النبي  قال يزيد لا أعلمه إلا قال عابس الغفاري فرأى الناس يخرجون في الطاعون قال ما هؤلاء؟ قال يفرون من الطاعون فقال: يا طاعون خذني, فقالوا أتتمنى الموت وقد سمعت رسول الله  يقول: ((لا يتمنين أحدكم الموت))؟ فقال إني أبادر خصالاً سمعت رسول الله  يتخوفهن على أمته بيع الحكم والا( ) بالدم وقطيعة الرحم وقوم يتخذون القرآن مزامير, يقدمون أحدهم ليس بأفقههم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم به غناء, وذكر خلتين آخرتين .
    وحدثنا يعقوب بن إبراهيم عن ليث بن أبي سليم عن عثمان بن عمير عن زادان عن عباس الغفاري عن النبي  مثل ذلك أو نحوه, وحدثنا يعقوب عن إبراهيم عن الأعمش عن رجل عن أنس أنه سمع رجلا يقرأ القرآن بهذه الألحان التي أحدث الناس فأنكر ذلك ونهى عنه. وهذه طرق حسنة في باب الترهيب .
    وهذا يدل على أنه محذور كبير وهو قراءة القرآن بالألحان التي يسلك بها مذاهب الغناء, وقد نص الأئمة رحمهم الله على النهي عنه, فأما إن خرج به إلى التمطيط الفاحش الذي يزيد بسببه حرفاً أو ينقص حرفاً فقد اتفق العلماء على تحريمه, والله اعلم . وقال الحافظ أبو بكر البزار: ثنا محمد بن معمر, ثنا روح, ثنا عبيد الله بن الأخنس عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال: قال رسول الله  : ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)). ثم قال: ولنا ما ذكرناه, لأنهم اختلفوا على ابن أبي مليكة فيه فرواه عبد الجبار بن الورد عنه, عن ابن أبي مليكة عن أبي لبابة, ورواه عمرو بن دينار, والليث عنه عن ابن أبي نهيك عن سعد, ورواه عسل بن سفيان عنه عن عائشة, ورواه نافع مولى ابن عمر عه عن ابن الزبير). انتهى.
    وقد رغب النبي  في هذا السماع المبارك, فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي  قال: ((ما أذن الله لشيء ما أذن للنبي أن يتغنى بالقرآن)). متفق عليه.
    والأحاديث بمعناه كثيرة في مشاهير السنن وغيرها. ويقتضي شكرها أيضا: أن لا يستعملها العبد في معصية كاستعمال ((حُسن الصوت)) في ((الغناء)). وفي الحديث أن النبي  قال: ((صوتان ملعونان: صوت ويل عند مصيبة وصوت مزمار عن نعمة)) رواه البزار. من حديث أنس رضي الله عنه. والتحريم للصوت - فضلا عن الحسن - في ((الغناء)) كالتحريم لاستعمال حسن الصورة, والجمال في ((الفواحش)) والتلذذ بالنظر إليها. وبهذا تعلم: أن النِّعم, مِحَنٌ, والسعيد من استعملها في طاعة الله .
    وعليه: فالصوت نعمة, وحُسْنُه خلقه: فضيلة لا يجوز استعمالها في منهي عنه, ومن شُكرها استعمالها في طاعة الله .
    الثاني: أن الصوت حسناً كان أو فظيعاً خِلْقة لم يعلق الله عليه مدحاً ولا ذماً, لأنه ليس فعلاً للعبد وإنما يذم العبد ويمدح بأفعاله الاختيارية, فمن كان صوته غير حسن - مثلا - فإنه لا يذم على ذلك, ويذم بما يكون باختياره كرفع الصوت الرفع المنكر, كما يوجد ذلك في أهل الغلظ والجفاء من الفَدَّادِيْنَ والصخَّابين في الأسواق. وفي صفة النبي  : ((ليس بفظ, ولا غليظ, ولا صخَّاب في الأسواق)). وقال تعالى عن لقمان في وصيته لابنه: ﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [لقمان:19]. فأمره أن يغض من صوته, وأن يقصد في مشيه, كما أمر المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم.( ) وحسن الصورة أو قبحها, وحسن الصوت أو قبحه, يكون كل منها علامة على الذم كما قال الله في المنافقين: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ﴾ [المنافقون:4] . وقال سبحانه: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴾ [البقرة:204] . وعلى هذا: فالصوت المجرد لا يعلق عليه: شيء من الحب والبغض, الذي هو ملاك الأمر والنهي .
    الثالث: أن يكون الصوت الطبعي خِلْقة: حسناً لذيذاً, مطرباً أمر يدرك بالإِحساس, ويشترك فيه جميع الناس, والإِنسان مجبول على محبة الحسن وبغض السيء. إذاً: فالفضيلة في ((حسن الصوت)) معلقة على استعماله فيما هو طاعة لله تعالى, فإذا استعين بهذه الفضيلة على ما أمر الله به كان طاعة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه, أن رسول الله  قال: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)) رواه البخاري وغيره. فهذا الصوت الحسن الطبعي إذا جعل في طاعة الله, وأجلها قراءة القرآن الكريم, كان طاعة لله تعالى, وعوناً على عبادته واستماع كتابه فيثاب المسلم على هذا الالتذاذ, وحلاوة ذلك أعظم الحلاوات( ). أما أن يكون مجرد استحسان الإنسان للصوت, دليل على استحبابه في الدين والتعبد به مجرداً, فهذا ضلال, إذ حقيقته تدين بعشق الصوت كالتدين بعشق الصور الحسنة وقد تنكبهما أهل العلم والإِيمان, وردوا على منحرفة المتصوفة في التعبد بعشق الصور الجميلة( ) وبعشق الأصوات الجميلة, وما تثيره من الوجد والحركة. فالصوت لا يستلذ به لذاته تعبداً, وإنما لما يحمله من آيات التنزيل, وقوارع القرآن الكريم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى 1 / 76, 77)): (فالسماع الشرعي الديني: سماع كتاب الله, وتزيين الصوت به, وتحبيره, كما قال  ((زينوا القرآن بأصواتكم)) وقال أبو موسى: (لو علمت أنك تستمع لحبرته تحبيراً) والصور والأزواج, والسراري التي أباحها الله تعالى. والعبادة: عبادة الله وحده لا شريك له ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ ﴾. وهذا المعنى يقرر قاعدة: اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم. وينهى أن يشبه الأمر الديني الشرعي بالطبيعي البدعي لما بينهما من القدر المشترك كالصوت الحسن, ليس هو وحده مشروعاً, حتى ينضم إليه القدر المميز, كحروف القرآن, فيصير المجموع من المشترك, والمميز هو: الدين النافع ). انتهى. وعليه: فلا يعلق الصوت الحسن: بذل الإكرام والتجلة لصاحب الصوت الحسن على ما يبذله من صوت حسن, كما لا يعلق الإِكرام على حسن الصورة, لمن كان جميلاً, فعشق الصوت المجرد كعشق الصورة في النهي سواء. ولا تغتر بفعلات المتصوفة من التعبد بعشق الصورة بدون فاحشة, وإكرام صاحبها, والتعبد بعشق الصوت الحسن بدون قول زور أو منكر, وجعل ذلك من سبل التعبد والإِكرام, فهذا ضلال وفساد.( ) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالىSad ) (فإن محبة النفوس: الصورة والصوت, قد تكون عظيمة جداً, فإذا جعل ذلك ديناً, وسُمِّي لله, صار كالأنداد, والطواغيت المحبوبة تديناً, وعبادة كما قال تعالى: ﴿ وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ﴾ [البقرة:93] ). وقال أيضاً رحمه الله تعالىSad ) (وليس في دين الله محبة أحد لحسنه قط( ), فإن مجرد الحسن لا يثيب الله عليه ولا يعاقب, ولو كان كذلك كان يوسف عليه السلام, لمجرد حسنه, أفضل من غيره من الأنبياء لحسنه. وإذا استوى شخصان في الأعمال الصالحة, وكان أحدهما أحسن صورة وأحسن صوتاً, كانا عند الله سواء, فإن أكرم الخلق عند الله أتقاهم, يعم صاحب الصوت والصورة الحسنة, إذا استعمل ذلك في طاعة الله دون معصيته, كان أفضل من هذا الوجه, كصاحب المال والسلطان إذا استعمل ذلك في طاعة الله دون معصيته, فإنه بذلك الوجه أفضل ممن لم يشركه في تلك الطاعة, ولم يُمتحن بما امُتحن به, حتى خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى. ثم ذلك الغير إن كان له عمل صالح آخر يساويه به, وإلا كان الأول أفضـل مطلقـا ). انتهى. وقال رحمه الله تعالىSad ) (وهذا الذي ذكرناه من أن الحَسَن الصورة والصوت, وسائر من أنعم الله عليه بقوة أو بجمال أو نحو ذلك, إذا اتقى الله فيه كان أفضل ممن لم يؤت ما لم يمتحن فيه - فإن النعم محن - فإن أهل الشهوات من النساء والرجال يميلون إلى ذي الصورة الحسنة, ويحبونه ويعشقونه, ويرغِّبونه بأنواع الكرامات, ويرهِّبونه عند الامتناع بأنواع المخوِّفات, كما جرى ليوسف عليه السلام وغيره. وكذلك جماله يدعوه إلى أن يطلب ما يهواه, لأن جماله قد يكون أعظم من المال المبذول في ذلك .
    وكذلك حَسَن الصوت قد يُدعى إلى أعمال في المكروهات, كما أن المال والسلطان يحصل بهما من المكنة ما يُدعى مع ذلك إلى أنواع الفواحش والمظالم, فإن الإنسان لا تأمره نفسه بالفعل إلا مع نوع من القدرة, ولا يفعل بقدرته إلا ما يريده, وشهوات الغيّ مستكنّة في النفوس, فإذا حصلت القدرة قامت المحنة, فإما شقي وإما سعيد, ويتوب الله على من تاب. فأهل الامتحان إما أن يرتفعوا وإما أن ينخفضوا. وأما تحريك النفوس عن مجرد الصوت, فهذا أيضا محسوس, فإنه يحركها تحريكاً عظيماً جداً بالتفريح والتحزين, والإغضاب والتخويف, ونحو ذلك من الحركات النفسانية, كما أن النفوس تتحرك أيضا عن الصور بالمحبة تارة وبالبغض أخرى, وتتحرك عن الأطعمة بالبغض تارة والنفرة أخرى, فتحرك الصبيان والبهائم عن الصوت هو من ذلك, لكن كل ما كان أضعف كانت الحركة به أشد, فحركة النساء به أشد من حركة الرجال, وحركة الصبيان أشد من حركة البالغين, وحركة [البهائم]( ) أشد من حركة الآدميين, فهذا يدل على أن قوة التحرك عن مجرد الصوت لقوة ضعف العقل, فلا يكون في ذلك حمد إلا وفيه من الذم أكثر من ذلك, وإنما حركة العقلاء عن الصوت المشتمل على الحروف المؤلَّفة المتضمنة للمعاني المحبوبة, وهذا أكمل ما يكون في استماع القرآن. وأما التحرك بمجرد الصوت, فهذا أمر لم يأت الشرع بالندب إليه, ولا عقلاء الناس يأمرون بذلك, بل يعدُّون ذلك من قلة العقل, وضعف الرأي, كالذي يفزع( ) من مجرد الأصوات المفزعة المرعبة. وعن مجرد الأصوات المغضبة ). انتهى.
    والحاصل: أن مجرد الصوت حسناً أو غير حسن, لم يعلق الله عليه حكماً, لا مدحاً, ولا ذماً, بل لا يجوز فيه ذمه إذا كان غير حسن, لأنه خلْق الله, لا اختيار للعبد فيه, وأن الصوت الطبعي الحسن, نعمة على العبد, و ((النعم محن)) فإن استعمله في الطاعة في قراءة كتاب الله تعالى كان ذلك أمراً مرغوباً فيه شرعاً, واستماعه مرغوب شرعاً لا لذات الصوت, لكن لأنه يحمل كلام الله, ويحببه إلى النفوس ويوصل معانيه إلى القلوب, وأن من كان كذلك لم يمنحه الشرع حكماً مستقلا لذات الصوت دون غيره. وأن تحريك الصوت للإِنسان أمر طبعي, كما يتحرك كل إلى ما يناسبه من الأصوات وإنما التعبد أن يتحرك العبد إلى كلام الله وما فيه من العظة والعبرة, والتذكير بالمصير, وبالجنة والنار, وعظيم الحكم والأحكام, أما لو تحرك عند قراءة القرآن طرباً لمجرد حسن الصوت, دون ما يحمله من آيات القرآن الكريم, فهذا عشق مجرد من التعبد, لعدم ورود أمر التعبد عليه في الشرع المطهر. وإذا استقر عندك هذا المحصول الجامع لأحكام الصوت الحسن, بقي الوقوف على حكم هذه الظاهرة الحادثة: ((الافتتان بتقليد أصوات القراء, والقراءة بها في المحاريب بيت يدي الله تعالى)) عندئذ نقول: هذا أمر ((إضافي إلى التعبد في القراءة)) فهذا ((التقليد)) ((عبادة)). ومعلوم أنه قد وجد المقتضى لهذا في عصر النبي  , وعصر صحابته رضي الله عنهم, فلم يُعمل العمل به عن أحد منهم رضي الله عنهم وقد عُلم في ((الأصول)): ((أن ترك العمل بالشيء في عصر النبي  مع وجود المقتضي له يدل على عدم المشروعية)) .
    فالصوت الحسن في القراءة موجود في عصر النبي  , ورأس الأمة في هذا نبينا ورسولنا محمد  , فهذا المقتضي موجود, ولم يُعلم أن أحداً تقرب إلى الله تعالى بتقليد صوت النبي  أو أحد من صحابته, ولا من بعدهم, وهكذا. فدل هذا على عدم مشروعية هذا التقليد, وعلم به أن التقرب إلى الله تعالى بذلك ((التقليد والمحاكاة لأصوات القراء)) أمر مهجور, فالتعبد به أمر محدث, وقد نهينا عن الإِحداث في الدين. وقاعدة الشرع أن كل أمر تعبدي محدث فهو: بدعة وكل بدعة ضلالة, وأن الشغف والتدين بحسن الصوت فحسب, والتلذذ به, كالتدين بعشق الصور, فهما في الابتداع والتحريم سواء. بل يضاف إلى المحاكاة للصوت الحسن, أن فيها نوع تبعية مُذلة, والشرع يبني في النفوس: العزة, والكرامة, وترقية العقول, واستقلالها, وتمحض متابعتها لهدي النبوة لا غير.
    وتأمل هل من قَلّدت صوته كان مقلداً لآخر, أم بحكم ما وهبه الله له وتأمل أيضاً هل رأيت عظيماً يشار إليه بالعلم, والفضل, والمكانة يقلد صوت آخر في القراءة, أو في الخطابة, أو في الأذان, أو في الكلام المعتاد والأداء فيه؟!. والشرع يدعو إلى تحسين القارئ صوته, وهذا أمر مشروع في حق من يملكه, ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها, وتطلُّبه بالتقليد والمحاكاة, تكليف بما لا يسع العبد في طبعه, فهو غير مطلوب وتكلف العبد ما لا يطيقه كمن يريد شَبْرَ البسيطة. وهذا هو ما تقتضيه ((الفطرة)) التي فطر الله عليها عباده, ودين الإسلام هو الفطرة ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾ [الروم:30], الآية . فدين الإسلام ينفجر من ينبوع معنى الفطرة, وحقيقة الفطرة: ما فُطِرَ وخُلِقَ عليه الإنسان ظاهراً وباطناً, أي جسداً وعقلاً, فسير الإنسان على قدميه كما يسر الله له فطرة, ومحاولة تقليد غيره في المشي ممن يراه أحسن منه مشية معاكسة للفطرة, وهكذا نطقه بما يسر الله له, وركب فيه من حباله الصوتية, واستعداد حنجرته, ومجاري نَفَسه هذا هو الفطرة.
    وقد أحاله الشرع إلى الوازع الباعث حسب الجبلَّة والخلقة, ومحاولة العدول عن هذا إلى صوت غيره هذا خلاف الفطرة حساً, ويعاكسها عقلاً فالفطرة حسّاً وعقلاً, والإسلام دين الفطرة أن تجري حواسه في قانونها التي ركبت عليه من لدن حكيم خبير, وفي قالب الإسلام وهذا هو محض العقل, والعاقل لا يعاكس الفطرة معنى ولا حساً ﴿ يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ* الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ* فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾ [الانفطار:6, 8], وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين:4] . فالمقلد يعدل عن خلق الله له في ذلك التقويم, ثم يفعل بنفسه الأفاعيل ليتحول إلى صورة ركيكة؟؟
    نعم لا ينكر توافق بعض الأصوات حسناً كان الصوت أو غير حسن, لكن السامع يميز بين هذا وذلك, إذا استقر ذلك: فاعلم أن المُحْدث يتولد منه أمور محدثة, وهكذا تبدو المحدثات صغاراً, ثم تنمو, وتزداد, حتى تتقطع السبيل إلى السبل, وتغاب السنن. وقد تولد عن فتنة التقليد: إحياء البدعة المهجورة لدى المتصوفة. ((التعبد بعشق الصوت)) وقد كشف أهل السنة في مبحثي ((عشق الصور, وعشق الصوت)) بدعية التعبد بهذا العشق, وأنه فتنه للتابع والمتبوع. وتولد منها في عصرنا: الازدحام في المساجد التي سبيل إمامها كذلك في المحاكاة, وقد بينت النهي عن تتبع المساجد طلباً لحسن الصوت فيما كتبت عن ((ختم القرآن)), بل بلغنا بخبر الثقات عن مشاهدة منهم أن بعضهم يسافر من بلد إلى بلد آخر في أيام رمضان ليصلي التراويح في مسجدٍ إمَامُه ((حسن الصوت)) . فانظروا - رحمكم الله - كيف خرق سياج السنة في النهي عن شد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام, والمسجد النبوي, والمسجد الأقصى. ومن ولائد ذلك: تَكَرُّه النفوس للصلاة خلف إمام لا يُستحسن صوته. ومنها: انصراف من شاء الله من عباده عن الخشوع في الصلاة, وحضور القلب . . . إلى التعلق بمتابعة الصوت الحسن لذات الصوت. وأنصح كل مسلم قارئ لكتاب الله تعالى وبخاصة أئمة المساجد, أن يكفوا عن المحاكاة والتقليد في قراءة كلام رب العالمين, فكلام الله أجل, وأعظم من أن يجلب له القارئ ما لم يطلب منه شرعاً زائداً على تحسين الصوت حسب وسعه لا حسب قدرته على التقليد والمحاكاة, وقد قال الله عن نبيه محمد  : ﴿ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ [ص:86], وليجتهد العبد في حضور القلب, وإصلاح النية فيقرأ القرآن محسناً به صوته من غير تكلف, وليجتنب التكلف من الأنغام, والتقعر في القراءة, والممنوع من حرمة الأداء.وينبغي لمن بسط الله يده أن يجتهد في اختيار الإمام - في الصلاة - الأعلم والأتقى الأورع, السالم في اعتقاده من مرض الشبهة وفي سلوكه من مرض الشهوة, وتقديم حسن الصوت الطبعي على غيره, قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالىSad ) ((أما تحسين الصوت, وتقديم حسن الصوت على غيره فلا نزاع في ذلك)). انتهى .
    تنبيه: ما تقدم من النهي عن التقليد والمحاكاة في الأصوات هو عام في حق الرجال, والنساء, وإذا قلدت المرأة في صوتها صوت رجل, كان النهي مُعَللاً بالتشبه أيضاً . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالىSad ) ((قال الطبري: لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي تختص بالنساء, ولا العكس. قال ابن حجر: وكذا في الكلام والمشي . . . إلى أن قال: وأمَّا ذَمُّ التشبه بالكلام والمشي, فمختص بمن تعمد ذلك, وأما من كان ذلك من أصل خلقته, فإنما يؤمر بتكلف تركه, والإِدمان على ذلك بالتدريج, فإن لم يفعل وتمادى دخله الذمَّ . . . )). انتهى . والله أعلم .


    المبحث الثالث
    في التحرك عند القراءة

    اشتدت كلمة علماء الأندلس في النكير على: التمايل, والاهتزاز, والتحرك, عند قراءة القرآن, وأنها بدعة يهود, تسربت إلى المشارقة المصريين, ولم يكن شيء من ذلك مأثوراً عن صالح سلف هذه الأمة . وقد ألف ناصر السنة ابن أبي زيد القيرواني م سنة 386هـ رحمه الله تعالى ((كتاب من تأخذه عند قراءة القرآن حركة))( ) ولا ندري من خبر هذا الكتاب شيئاً. قال أبو حيان النحوي محمد بن يوسف الأندلسي م سنة 745هـ رحمه الله تعالى في تفسيره ((البحر المحيط)) عند قول الله تعالى: ﴿ وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ ... ﴾ [الأعراف:171], (قال الزمخشري في ((الكشاف)) 2 / 102: ((لما نشر موسى عليه السلام, الألواح وفيها كتاب الله تعالى, لم يبق شجر, ولا جبل, ولا حجر إلا اهتز فلذلك لا ترى يهودياً يقرأ التوراة إلا اهتز وأنغض لها رأسه)) انتهى . من الكشاف . وقد سرت هذه النزعة إلى أولاد المسلمين, فيما رأيت بديار مصر, تراهم في المكتب إذا قرؤوا القرآن يهتزون ويحركون رؤوسهم, وأما في بلادنا, بالأندلس والغرب, فلو تحرك صغير عند قراءة القرآن, أدبه مؤدب المكتب وقال له: لا تتحرك فتشبه اليهود في الدراسة))( ) انتهى. وقال الراعي الأندلسي م سنة 853هـ رحمه الله تعالى في ((انتصار الفقير السالك)) ص / 250: (وكذلك وافق أهل مصر اليهود, في الاهتزاز عند الدرس والاشتغال, وهو من أفعال يهود). انتهى . وهذا أعم فليُجْتنب .


    المبحث الرابع
    في قراءة صلاة الجمعة

    رتب النبي  في قراءة صلاة الجمعة ثلاث سنن قراءة سورتي الجمعة والمنافقون, أو سورتي الجمعة والغاشية, أو سبح والغاشية .
    وقد فشى في عصرنا العدول من بعضهم عن هذا المشروع إلى ما يراه الإِمام من آيات, أو سور القرآن الكريم, متناسباً مع موضوع الخطبة .
    وهذا التحري لم يؤثر عن النبي  ولا يعرف عن سلف الأمة, فالتزام ذلك بدعة, وهكذا قصد العدول عن المشروع إلى سواه على سبيل التسنن فيه استدراك على الشرع, وهجر للمشروع, واستحباب ذلك, وإيهام العامة به, والله أعلم .

    المبحث الخامس
    في مغايرة الصوت أثناء الخطبة

    مما أحدثه الوعّاظ, وبعض الخطباء, في عصرنا, مغايرة الصوت عند تلاوة الآيات من القرآن لنسق صوته في وعظه أو الخطابة. وهذا لم يعرف عن السالفين, ولا الأئمة المتبوعين, ولا تجده لدى أجلاء العلماء في عصرنا, بل يتنكبونه, وكثير من السامعين لا يرتضونه, والأمزجة مختلفة, ولا عبرة بالفاسد منها, كما أنه لا عبرة بالمخالف لطريقة صدر هذه الأمة وسلفها . والله أعلم .







    ام محمد
    ام محمد


    المساهمات : 6
    تاريخ التسجيل : 22/01/2011

    بدع القراء Empty رد: بدع القراء

    مُساهمة  ام محمد السبت يناير 29, 2011 5:00 am

    جزاك الله خيرا
    ارجوا من المشاركين في هذا المنتدى
    إضافة ما فات الشيخ بكر من البدع التي أحدثها القراء لتعم الفائدة

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مايو 09, 2024 2:33 am