ملتقى الأمة الواحدة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى إسلامي علمي ثقافي يسعى لوحدة المسلمين تحت راية التوحيد والنهوض بالأمة ورفعتها والتمكين لها في الأرض


    أهل الإسلام لا يخرجهم تنازعهم عن الإيمان

    ام محمد
    ام محمد


    المساهمات : 6
    تاريخ التسجيل : 22/01/2011

    أهل الإسلام لا يخرجهم تنازعهم عن الإيمان Empty أهل الإسلام لا يخرجهم تنازعهم عن الإيمان

    مُساهمة  ام محمد الأحد يناير 23, 2011 3:56 am

    هذا مقال كتبه الشيخ الفاضل أبو أيوب البرقوي
    في العدد الأول من مجلة الأمة الواحدة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    كثير من الناس لهم نظرةٌ متشائمة فيما يتعلق باعتصام المسلمين بعد أن طال عليهم الأمد وهم في الشقاق والاختلاف الشديد.
    وكثير منهم يحسب أننا نكفّر كلَّ من خالفنا في مسائل الأحكام. وبعضهم يعكس الأمر فيكفرنا لأننا أو بعضنا قد خالفه في بعض مسائل الدين. وأعجب من ذلك من يطعن في جماعة المسلمين لأن فيها من يخالفه في مسألة من مسائل الأحكام. وهذه كلّها ضلالات وجهالات منشأها الجهل بحقيقة الإسلام. وبُعدُ العهد عن النظام الإسلامي القيم، الذي كان عليه السلف الصالح من أصحاب القرون الثلاثة الأولى– رضي الله عنهم وحشرنا معهم– فهنالك فرق بين جماعة المسلمين وسائر الفرق والأحزاب المعروفة لدى الناس– اليوم– فتلك الأحزاب قد تطرد من تشاء منها بغير الكفر. وقد تشترط شروطاً لصحة العضوية ليست في كتاب الله.
    وهذا في جماعة المسلمين باطل مردود، إذ لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يُطرد المسلم من جماعة المسلمين إلا بالكفر البواح.
    ولا يضرُّ جماعةَ المسلمين وجودُ الفاسق فيها، فما على أمير المؤمنين سوى إقامة الدين فيهم، والنصح لهم والصبر عليهم. فمن شرب الخمر جلده، ومن سرق قطع يده، واستغفر لذنبه، ولكن لا يطرد أحداً من المسلمين ما لم يكفر.
    قال الله عز وجل: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهَهُ ما عليك من حسابهم من شيء. وما مِن حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين).. إلى قوله-: (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم، كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم).
    وقد قال لي بعض الجاهلين: "إن طردتم الأراذلَ من جماعة المسلمين فسنلتزم بها وسننصركم"، فأجبتُ: بأنه شرط ليس في كتاب الله: (وما أنا بطارد الذين ءامنوا، إنهم ملاقوا ربّهم ولكنّي أراكم قوماً تجهلون).
    وإن لنا في قصص الأنبياء لعبرة، فقد قال قوم نوح لنوح– عليه السلام– (أنؤمن لك واتبعك الأرذلون، قال وما علمي بما كانوا يعملون. إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون، وما أنا بطارد المؤمنين).
    وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".
    ولم تكن مع ذلك جماعة المسلمين في عهده صلى الله عليه وسلم كلها بمنزلة أبي بكر وعمر رضي الله عنهم.
    ففي الصحيح عن عمر بن الخطاب أن رجلاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب: حماراً. وكان يُضحِكُ النبيَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وكان الرسولُ قد جلده في الشراب، فأُتي به يوماً، فأَمَرَ به فجُلِد، فقال رجلٌ من القوم: اللهم الْعَنْهُ!! ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا تلعنوه" وقال في آخر مثله: "لا تكونوا عوْنَ الشيطان على أخيكم". فأبقى له كما ترون أخوة الدين، بل إن أُخوّة الدين لا تزول إلا بالكفر، فلا تزول بالقتل وهو من أكبر الكبائر بعد الشرك قال تعالى:
    (فمن عُفي له من أخيه شيءٌ فاتباعٌ بالمعروف وأداء إليه بإحسان). وهذا باب يطول، و إنا نكتفي بالتمثيل على نحو هذا بمَثَلٍ أو مثلين، لأنه ليس من المحامد ذكرُ مثالب السلف الصالح.
    أما الاختلاف في التحليل والتحريم ومسائل الأحكام فما زال أصحابُ القرون الثلاثة الأولى مختلفين في كثير من المسائل، كبارهم وصغارهم، فقهاؤهم وعوامهم. لا يجهل ذلك من له أدنى نظر في سيرة السلف الصالح، وأقل اطلاع في الكتب الستة، وكتب الفقه. فهذا ابنُ عباس رضي الله عنه يُعَدُّ من أعلم الصحابة بتفسير القرآن، ومع ذلك قال بحِلِّ لحوم الحُمُر الأهلية كما في صحيح البخاري وغيره محتجاً بقوله تعالى:
    (قل لا أجد فيما أُوحي إليّ محرّماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أُهل لغير الله به).
    وقال ابنُ عباس رضي الله عنه بإباحة نكاح المتعة، وقد خالفه في ذلك كلّه آخرون. فهل لقائلٍ أن يقول: "إنه يمنعني من بيعة أمير المؤمنين وجود هذا المفتي فيها!!".
    وهل يجرؤ مسلمٌ أن يطعن في ابن عباس أو يفسّقه، فوالله من فسّق ابنَ عباس فهو الفاسق الضال عليه لعنةُ الله والناس أجمعين. وروى ابنُ جريرٍ الطبري بسندٍ صحيح عن أمّ المؤمنين عائشة أنها كانت لا ترى بلحوم السباع بأساً، وتقرأ هذه الآية المذكورة آنفاً. مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: "كل ذي ناب من السباع فأكله حرام" أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
    واختلف السلف في المطلقة البائنة هل لها نفقةٌ وسكنى أم لا، فكان ابنُ عباس يرى أن لا سكنى لها ولا نفقة، لحديث فاطمة بنت قيس. وكان عمر بن الخطاب يرى أن لها السكنى والنفقة، وما زال العلماءُ والقضاةُ مختلفين في هذه المسألة إلى يومنا هذا.
    واختلفوا كذلك في ميتة البحر فقال أبو حنيفة: "لا يؤكل ما مات في البحر– يعني: قبل صيده– كما لا يؤكل ما مات في البرّ لعموم قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة)"، وذهب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم إلى حِلّ ميتة البحر واحتجوا بحديث "العنبر" الذي وجده الصحابة ميتاً على ساحل البحر، وأكل منه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. والحديث في الصحيحين، كما اختلفوا في أنفحة الميتة، البرية فقال بعضهم: حلال، وقال بعضهم: حرام.
    وذهب جماعة من السلف رضي الله عنهم إلى إباحةِ قليلِ ما أسكر كثيرُهُ، إن لم يكن هذا القليل مسكراً، ولم يكن من الخمر التي حرّمت لعينها وهي عندهم عصير العنب، أما غير ماء العنب من الأنبذة فلا يعدّونها خمراً ما لم تخامر العقل، ويرون إطلاق اسم الخمر على عصير العنب حقيقةً، وعلى سائر الأنبذة مجازاً وهو مذهب الإمام أبي حنيفة وغيره من علماء أهل الكوفة، وقد خالفهم أكثر علماء الحديث وخطّئوا مذهبهم هذا، ولكن لم يكفّر بعضهم بعضاً، بل اعتذر بعضهم لبعض، وهذا باب واسع، وبحر لا تكدّره الدلاء.
    فمسائل الاختلاف كثيرة جدّاً، لا تكاد تحصرها الكتب، أما الإجماعات التي اتفقت الأمة عليها فقليلة جدّاً، قد تحصر في كُتيّب صغير عند التحقيق.
    ومع ذلك فلا يجوز أن تتخذ هذه الحقائق ذريعةً لاجتناب جماعة المسلمين. وقد صنّف الحافظ ابن تيميّة في ذلك كتاباً قيّماً مختصراً سمّاه: "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" أبان فيه الأسباب التي من أجلها قد يخالف المجتهد الحقّ في استنباط الأحكام، وإني أنصح لأهل العلم كافة بمطالعة هذا الكتاب
    ثم اعلم أننا لا نرفض كتب السلف الصالح، ولا نهمل اجتهاداتهم في استنباط الأحكام الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد كنّا وما زلنا نديم النظر في كتبهم والحمد لله، ونستعين بأفهامهم على فهم الكتاب والسنة، ولكن لا نتخذهم أرباباً من دون الله، كما فعل أهلُ الكتاب مع علمائهم، ولا نقدّم أقوالهَم على قولِ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وما أحسن ما يحكى عن أبي حنيفة رحمه الله أنه قال:
    "إذا خالف قولي قولَ رسول الله فاضربوا بقولي عرض الحائط".
    ثم إن هذا الإمام لم يجعل مِدراسه باباً لتفريق المسلمين، وما كان له ذلك. وما فعله مالك ولا الشافعي ولا من سواهم من الأئمة المجتهدين، بل قالوا أجمعون: كونوا مسلمين.
    وقد كانت في أعناقهم بيعةٌ لأمير المؤمنين في زمانهم يسمعون له ويطيعون، وينصحون له وينصرون. مع أنهم كانوا في الغالب أفقه من الخلفاء، وأعظم قدراً منهم، ولكنهم اعتصموا بحبل الله جميعاً.
    ومن عظيم ما منّ الله به علينا سلوكنا سبيلَ المؤمنين، فقد هدانا الله لبيعة أمير المؤمنين؛ أبي عيسى الهاشمي. وقد أخرجنا الله من ظلمات التعصّب والتحزّب. فمن العجائب أن تعلم أنّ منّا من كان قد تفقّه بمذهب أهل الحديث، ومنّا من بمذهب الأحناف، ومنّا من بمذهب أهل الظاهر وغير ذلك من المذاهب والمسالك، ولكنّا اعتصمنا جميعاً بحبل الله تعالى وتعاهدنا وتواثقنا على أن نردّ الأصولَ والفروعَ إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم، فنحن ملتزمون بردّ النزاع إلى الكتاب والسنّة فما وافقهما مقبول، وما خالفهما مردود، قال الله تعالى: (فلا وربّك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم، ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلّموا تسليماً).
    (والمقصود): أن يُعلم أنّ تنازع أهل الإسلام في بعض مسائل الأحكام لا يخرجهم عن حقيقة الإيمان إذا ردّوا ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله كما شرطه الله عليهم بقوله عزّ وجلّ: (فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً).
    والحكم المعلّق على الشرط ينتفي عند انتفائه، وقد جعل الله هذا الردّ من موجبات الإيمان ولوازمه فإذا انتفى هذا الردّ انتفى الإيمان ضرورة انتفاء الملزوم لانتفاء لازمه، ولا سيما التلازم بين هذين الأمرين، فإنه من الطرفين، وكلّ منهما ينتفي بانتفاء الآخر.
    قال الحافظ ابن القيّم:
    "قوله– سبحانه– (فان تنازعتم في شيء) نكرة في سياق الشرط تعمّ كلَّ ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدين؛ دِقّهِ وجَلّهِ، جَليّهِ وخفيّهِ، ولو لم يكن في كتاب الله وسنّة رسوله بيانُ حكم ما تنازعوا فيه، ولم يكن كافياً لم يأمر بالردّ إليه، إذ من الممتنع أن يأمر– تعالى– بالردّ عند التنازع إلى مَن لا يوجد عنده فَصلُ النزاع" انتهى.
    وننبّه هنا على أمور:
    1– لا يحلّ أبداً تتبع رخص العلماء بدعوى اختلافهم. وقد روي عن بعض علماء السلف "أنه دخل على أحد الأمراء فوجد بيده كتاباً قد كُتبَ له في الرخص، فقال الأمير: ما تقول أيها الشيخ في هذا؟ فأخذ الشيخ الكتابَ فقرأه ثم قال: أيها الأمير إنّ من أحلّ المتعة لم يحلّ الغناء! ومن أحلّ الغناء لم يحلّ النبيذ وإنّ من تتبّع رخص العلماء تزندق!! فقال الأمير: صدقت، ثمّ ألقى الكتاب". فالواجب على طالب الدين أن يتديّن في طلب الدين، وأن لا يقول على الله إلا الحق.
    2– تبيّن مما تقدّم كذب من زعم أننا نكفر المخالف مطلقاً، بل نحن لا نكفّر إلا من ثبت لدينا أنه قد نقض إحدى الشهادتين أو كلتيهما، إذا علمت ذلك فاعلم أننا لا نكفر من خرج عن طاعة أمير المؤمنين ورفض بيعته ما لم يثبت لدينا أنه صادِفٌ عن التوحيد وعن الشريعة المحمدية، وهذه أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قاتلت أمير المؤمنين عليّا رضي الله عنه، وإنا لنعتقد اعتقاداً جازماً لا شك فيه: أن الحق كان مع عليٍّ، ومع ذلك نقول: إنّ الطيّبة النقيّة أُمَّ المؤمنين عائشة هي حبيبة رسول الله وزوجته في جنّة الفردوس الأعلى.
    والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مايو 10, 2024 3:45 am